الثلاثاء، 26 مارس 2013

التصوف من عظمة الإسلام بقلم الدكتور اليماني الفخراني

التصوف من عظمة الإسلام
بقلم الدكتور اليماني الفخراني
إن علم التصوف الإسلامي من أبرز العلوم التي كثر حولها الجدل ،فلم يختلف العلماء قديما وحديثا في علم أو فن كما اختلفوا في التصوف الإسلامي ،فلا تكاد تذكر كلمة " التصوف" إلا ويثار حولها الجدل وترتفع حرارة الحوار ، ويكثر المتشنجون ،فهو برمته منذ نشأته وإلى الآن محل أخذ ورد ،فقد اختلف الباحثون حول تسميته وحول المصدر الحقيقي للتصوف ،وهذا الخلاف غالبا ما يكون عن سوء نية ، أو جهل ، أو قلة علم ،أو تقليد أعمى ،وهذا الخلاف يقع بين الباحثين والعوام على السواء .
فعلى مستوى الباحثين سواء أكانوا من المستشرقين أم من غيرهم ممن يكتبون في التصوف الإسلامي نجدهم يحاولون العودة به إلى مصادر خارج الإسلام ، سواء أكانت تلك المصادر هندية أو يونانية أو فارسية ،أو إلى الأفلاطونية الحديثة المتأخرة والتي كانت شائعة في مصر والشام..الخ، وبالتالي فهو بزعمهم مذهب دخيل في الإسلام .
ومنهم من يعتبر التصوف الإسلامي خليط من الفلسفات الهندية واليونانية والفارسية والإسلامية ، ومنهم من لم يميز بين التصوف الإسلامي الموزون بميزان الكتاب والسنة ، وبين التصوف الفلسفي الذي نقل عن الهنود واليونانيين بما فيه من عقائد تتنافي وصفاء الإسلام مثل عقائد الحلول والاتحاد .
وعلى مستوى العوام ممن لا يصل فكرهم للبحث حول مصدر التصوف فإنهم لا يعرفون عن التصوف سوى صور شائهة لرجال يتمايلون ويتراقصون تبعا لطرق معينة ينتمون إليها ،ولا مانع من ارتكاب البدع والخرافات ، وفي وسط ذلك نساء غاديات رائحات يتخللن الراقصين والمائلين ،فيحكمون على التصوف من خلال هذه الصورة المزيج التي لا تمت إلى الإسلام أوالتصوف بصلة .
ولكن التصوف الإسلامي شأن آخر ، وإن كان هناك البعض ممن يعترض على مجرد الإسم دون أن يشغل نفسه بمعرفة حقيقة هذا العلم ،ولكن السؤال الذي يطرح ما هو هذا الشأن الآخر ؟.
لقد خلق الله – تعالى – الإنسان من شقين الأول: مادي طيني يجذب الإنسان إلى أسفل ، والشق الثاني : روحاني شفاف يصعد بالإنسان إلى الملائكية وإلى خالق الروح ، وهذا في كل البشر مهما اختلفت جنسياتهم أو معتقداتهم .
ثم كان من لطف الله تعالى أن أرسل الرسل – عليهم السلام - ليبينوا للناس مراد خالقهم منهم بمناهج سماوية ،هذه المناهج تضبط سلوك البشر وتنظم حركة الأفراد والمجتمعات ما دام البشر متمسكين بها .
ولكن لا يستوي البشر في الإلتزام بالمناهج السماوية أو بما بقي منها ، فهناك من يؤدي هذه المناهج أو ما بقي منها بروح وحب وصفاء قلب وإحساس رقيق، ومنهم من يؤدي ذلك بجفاء وقلوب خاوية من الإحساس والمشاعر ، فلا تجد لالتزامهم بالمناهج السماوية روح أو أثر ، وهذا ينطبق على الإلتزام بالمناهج السماوية أو الوضعية مع الفارق .
ومن هنا فإن أداء المناهج السماوية أو الوضعية – لا يعني هذا إقرار المناهج الوضعية - يحتاج معه وبدرجة عالية إلى روح تغلف هذا الآداء أو إلى عاطفة تصاحب هذا المنهج ،وهذه العاطفة وهذه الروح هي التصوف وأزعم أن هذا يفسر لنا لماذا وجد التصوف مع كل الأديان والملل تقريبا ؟.
لأنه الروح التي ترطب الجفاء الذي قد يصاحب بعض المناهج والتعاليم ،وهذه الروح وهذه العاطفة تكون متأثرة بدرجة تقل أو تكثر بهذه التعاليم وتلك المناهج ، وبالتالي فالتصوف كتجربة وإحساس لازم للروح عند كل البشر ، فالقول بنشأة التصوف عند جنس بعينه انتقل لأجناس أخرى هو كلام فلسفي نظري لا علاقة له بالتجربة والإحساس والعاطفة والرقة وكل ما يلزم الروح للتغذى به .
وإذا كان التصوف أو الجانب الروحي أو الجانب العاطفي ضرورة للبدن في كل الجنسيات والملل ، فلا غرو أن كان ضروريا بالنسبة للإسلام ، كيف لا ؟!
وقد صالح في تعاليمه بين مطالب الجسد ومطالب الروح ،كما صالح بين متطلبات الدنيا والتزامات الآخرة ،فلا تناقض في الإسلام ولا تغليب لجانب على آخر بين العمل لرغبات الجسد والعمل لرغبات الروح ،أو بين سعي في الدنيا والسعي للآخرة ؛بل إن عمل الدنيا ومقتضيات البدن تتحول بالنية الخالصة إلى عبادة هي في الأساس زاد الآخرة ، ويكفي للدلالة على هذا التكامل الروحي والبدني ، الدنيوي والأخروي قوله تعالى :" وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" (77)من سورة القصص .
وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هذا التوازن ، وحذر أصحابه من تغليب جانب على جانب فحينما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من أصحابه من يغالي في ناحية من النواحي، زجره، كما حدث لعبد الله بن عمرو بن العاص ، فقد كان يصوم ولا يفطر، ويقوم فلا ينام، وترك امرأته وواجباته الزوجية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الله إن لعينك عليك حقًا، وإن لأهلك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا، وإن لبدنك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه).
ومما سبق يتضح أن الجانب الروحي من الإسلام وهو ما عرف بعد ذلك بالتصوف جاء مع الإسلام الذي جاء بالتوازن في الحياة، يعطي كل ناحية حقها، ولكن جاء وقت غلب على المسلمين فيه الجانب الماديّ، الناتج عن الترف الذي أغرق بعض الطبقات، بعد اتساع الفتوحات، وكثرة الغنائم والأموال، وازدهار الحياة الاقتصادية، مما أورث غُلوًّا في الجانب المادي،كما جاء أيضا وقت غلب فيه الجانب العقلي،بحيث أصبح الإيمان عبارة عن ترف عقلي و"فلسفة" ،و علم كلام جدلي لا يورث خشية لله ،ولذلك تجد كثيرا من المشتغلين بعلم الكلام والفلسفة في الوقت الحاضر من الصوفية سعيا منهم لهذا التوازن المطلوب . .
ومن هنا ظهر هؤلاء الصوفية ليسدُّوا ذلك الفراغ، ويعملوا على استرجاع التوازن بين البدن والروح ، وبين السعي للدنيا والعمل للآخرة الذي جاء به الإسلام وهو أيضا حقيقة الإسلام ،الذي عاش في رحابه النبي صلى الله عليه وسلم ،وتمتع به الصحابة رضوان الله عليهم .
وبالتالي فالقول ببدعية التصوف الإسلامي قول باطل ، كما أن القول برجوعه لأصول فارسية أو هندية أو يونانية أو أفلوطينية باطل أيضا .
ولما صار التصوف علما خاصا وعلما على أناس بعينهم فإن هذا العلم وهذه الطائفة مثل غيرها توزن أعمالها بميزان الكتاب والسنة ، فما وافقهما فهو من الإسلام وما خالف الكتاب والسنة فليس من الإسلام في شيء ، ولا من التصوف ،فالإسلام حجة على التصوف وليس العكس ، ولذلك فإن محققي الصوفية طالبوا بعرض أقوالهم وأعمالهم على الكتاب والسنة فما وافقهما فهو من الإسلام ، وما خالفهما فليس من الإسلام في شيء والتصوف بريء منه ،مهما كانت شخصية ومكانة المنسوب إليه هذا القول ، أو هذا الفعل ، فردا كان أو طريقة ، شيخا أو مريدا، وهذا إنصاف يشكر الصوفية عليه ، وبالتالي لا يتحمل التصوف وزر المنتسبين إليه ،.
وفي النهاية فالجانب الروحي من الإسلام أو التصوف جزء أصيل من الإسلام ،شاء من شاء وأبى من أبى ،وكما أن الجانب المادي موزون بميزان الإسلام ، فالجانب الروحي أيضا سواء سمي تصوفا أو جانبا عاطفيا أو روحيا موزون أيضا بميزان الإسلام .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق